برنامج المجتمع الفلسطيني/
أحداث / ندوة قراءة في كتاب "استعمار فلسطين: اليسار الصهيونيّ وصنع النكبة الفلسطينيّة" (حزيران)عَقَدَ مركز مدى الكرمل يوم الجمعة، السادس عشر من أيّار الفائت (16/5/2025)، بالتعاون مع مقهى ليوان الثقافيّ، ندوة قراءة في كتاب الباحثة د. أريج صبّاغ-خوري "استعمار فلسطين: اليسار الصهيونيّ وصنع النكبة الفلسطينيّة"، أدارها د. لؤيّ وتد، زميل بحث في منتدى EUME وجامعة برلين الحرّة. وذلك في مقهى ليوان الثقافيّ في الناصرة. وقد عُقِدت الندوة في ذكرى النكبة السابعة والسبعين.
افتَتَحت الندوةَ د. عرين هوّاري، المديرة العامّة لمدى الكرمل، بدعوة الحضور للوقوف دقيقة حِداد على أرواح شهداء غزّة وفلسطين، تأكيدًا على أنّ ما نعيشه اليوم ليس إلّا استمرارًا للنكبة التي بدأت عام 1948. لفتت هوّاري الانتباهَ إلى أنّ أهمّيّة الكتاب لا تكمن في تحليل تجربة وأيديولوجيّة المستوطنين فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى كونه يقرأ ديناميكيّة العلاقة مع السكّان الأصليّين الفلسطينيّين، وذلك من خلال قراءة سوسيو_تاريخيّة لثلاثة كيبتوسات تابعة لمنظّمة "هَشوميرْ هَتْسَعِيرْ": مِشْمارْ هَعِيمِكْ؛ عِينْ هَشُوفِيطْ؛ هَزُورِياعْ. وأشارت كذلك إلى تميُّز البحث في كونه لا يجعل الفلسطينيّين فقط موضوعًا للدراسة، بل يضع إسرائيل ذاتها كميدان للبحث، عبْر عدسة ناقدة لباحثة فلسطينيّة تمتلك أدوات علم الاجتماع. أشارت د. هوّاري أنّ الباحثة قامت باستحضار أرشيف الجيل الأوّل من اليساريّين الصهيونيّين، غير مكتفية بالكشف عن صمتهم عن تهجير جيرانهم، بل كشفت كذلك عن مشارَكتهم في إِحداث النكبة، وعن الكيفيّة التي بها رأَوْها ورَوَوْها.
في مداخلة د. أريج صبّاغ-خوري خلال الندوة، أشارت إلى أنّ هذه هي أوّل مناقَشة باللغة العربيّة لكتابها، وذلك بعد مشاركتها في ندوات دوليّة تناولت الكتاب بلغات أخرى. وشدّدت في حديثها على أنّ المعرفة لا تنفصل عن الناس، وأنّ إنتاج معرفة نقديّة حقيقيّة لا يكتمل إلّا حين تتفاعل المعرفة مع قضايا المجتمع وتشتبك مع واقعه، مضيفةً أنّ الباحثة المشتبكة هي تلك التي لا تكتفي بالتنظير الأكاديميّ، بل تواصل توظيف المعرفة من أجل التغيير، بما يعيد ربط البحث الأكاديميّ بالحياة اليوميّة للناس وهمومهم الفعليّة. واعتبرت أنّ هذا التفاعل الحيويّ بين المعرفة والواقع هو ما يمنحها الطاقة والقوّة للاستمرار في العمل والمثابرة من أجل واقع أكثر عدلًا. واختتمت مداخلتها بالقول: "اليوم على وجه الخصوص، وفي ظلّ الإبادة التي يتعرّض لها شعبنا في غزّة، نحن مُلزَمات ومُلزَمون، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، بإنتاج معرفة نقديّة مناهِضة للاستعمار".
وأمّا الـﭘـروفيسور أسعد غانم، فقد أشار في مداخلته إلى إمكانيّة قراءة الكتاب بسبعة أشكال مختلفة: فهو، أوّلًا، كتاب فيه تجربة شخصيّة، تظهر منذ الصفحات الأولى. ثانيًا، هو كتاب عن علاقتنا بالآخر. ثالثًا، برأي غانم الكتابُ هو أيضًا توثيق للماضي الكولونياليّ، وبخاصّة ما جرى في مرج ابن عامر في ثلاثينيّات القرن الماضي. الشكل الرابع يتمثّل في كون الكتاب قراءة للواقع الكولونياليّ الحاليّ، للسياسات والممارَسات المستمرّة حتّى اللحظة. الشكل الخامس -حسب توصيف غانم- أنّ الكتاب يحمل رؤية لمستقبلِ ما بعد الاستعمار، ويتضمّن -كما قال- "رؤية" تُطرح كنوع من الأفق أو المشروع الفلسطيني المقترَح. أمّا الشكل السادس، فتمحور برأيه في تحليل الثنائيّات، حيث شدّد غانم على أنّ الباحثة لا تطرح ثنائيّات مثل الداخل/الشتات أو الفلسطينيّ/الإسرائيليّ على أنّها تناقضات بسيطة، بل على أنّها تشابكات معقَّدة، وأحيانًا متواصلة. وأخيرًا أشار إلى أنّ الكتاب في الإمكان قراءته كطرح لصِيَغ الصراع والحلول. واختتم غانم مداخلته بالتأكيد على أنّ هذا النوع من الكتابات لا يقدّم معرفة علميّة فحسب، بل يشكّل كذلك إسهامًا سياسيًّا مهمًّا في رسم ملامح مستقبلٍ فلسطينيٍّ قائم على التفكير الجِدّيّ والمسؤول.
أمّا الـﭘـروفيسور أسامة مقدسي، في مداخلته المصوَّرة، فقال إنّ الكتاب يشكّل إسهامًا مهمًّا لفَهْم التناقض البنيويّ في المشروع الصهيونيّ، الذي يجمع بين الرغبةِ المستمرّة في الاستعمار والعنف، وإنكارِ وجود الشعب الفلسطينيّ. وأشاد مقدسي بالجهد الأرشيفيّ الاستثنائيّ الذي بذلته الباحثة، وقدرتها على تفكيك خطابات اليسار الصهيونيّ، مُبرزًا أنّ ما يُسمّى "التعايش" كان في كثير من الأحيان أداة لسلب الأرض والحقوق الفلسطينيّة. كذلك أشار إلى المفارقة المؤلمة في كون الباحث الفلسطينيّ يُجبَر على تحليل منظومات تستند في جوهرها إلى نفي وجوده، متسائلًا في ختام مداخلته عن إمكانيّة القطيعة الجذريّة التي دعت إليها الكاتبة، وعمّن هو القادر على تحقيقها في ظلّ واقع الإبادة المتواصلة.
شارك في الندوة عدد كبير من الباحثين والناشطين وأصدقاء الباحثة.
لمشاهدة الندوة، يُرجى الضغط هنا